الإضطرابات النّفسية لدى الأطفال ودور الأهل

الإضطرابات النّفسية لدى الأطفال ودور الأهل

 

هل يعاني إبنكم من أرقٍ أو قلقٍ دائم ؟ هل تغيّرت تصرّفاتهِ في الآونة الأخيرة ؟ هنا بعض الإرشادات لكم ولهم...

ها نحن نعيشُ اليومَ في زمنِ النّزاعات النفسيّة على كافّة الأصعدة وبشتّى الأنواع ومختلفها. ففي الأمس كان معظم أفراد المجتمع يعانون من أمراض ضغط الدّمّ والشّرايين وزيادة معدّل السّكر في الدّمّ، إلخ. أمَّا اليومَ، وبسبب كلّ الضّغوط الّتي يواجهها المرء في حياته اليوميّة والإجتماعيّة والاقتصاديّة،فقد أدّت إلى تزايد وتفاقم الإضطرابات العصبيّة لديه. وهذا الأمر لم يعد مقتصرًا على البالغين فقط، بل أمسى الأحداث والشّبّان يعانون من هذه المشاكل أيضًا.

 العديد من الأحداث والشّبّان قد يُصابون بأمراضٍ نفسيّة أو متعلّقة بجهازهم العصبيّ. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة أنّ العديد منهم يعانون من اضطرابات قلق أو أرق، إضافةً إلى ظاهرة الكآبة وأشكالٍ أخرى ومتعدّدة من اضطرابات في النّوم، والسّلوك والتّغذية، وغيرها.

والسّؤالُ الَّذي يأتي ويطرحُ نفسه في هذا السّياق هو التّالي : " ما مصدر هذه الاضطرابات وكيف يستطيع الأهل وذوو الأفراد معرفة مشاكل أطفالهم، علمًا بأنّ الأحداث لا يتكلّمون كثيرًا عن مشاكلهم النّفسية؟"

ما هي أسباب الإضطرابات النفسيّة عند الأولاد وما عوارضها عليهم ؟

إن أردنا التّكلّم عن مصادر هذه الاضطرابات، فلا تسعنا الكتب وصفًا وتدقيقًا. فالشّبّان والأحداث بشكلٍ عام، كتلةً من الأحاسيس المكبوتة والأفكار غير المباح عنها. إنّهم يعيشون صراعًا، لا بل صراعاتٍ عدّة، في حياتهم اليوميّة على صعيد دراستهم، وأحوالهم في المنزل والمدرسة، بين أهلهم وأصدقائهم وذويهم. أضِفْ على ذلك أنَّ للمشاكل العصبيّة العديد من العوامل الوراثيَّة والجينيّة. فكما على سبيل المثال يولدُ ولد مصاب بـ "متلازمة داون" منذ صغره أو منذ قبل الولادة حتَّى، هناك أولادً يولدون وعندهم إستعداد أكثر من غيرهم للتّعرّض إلى مختلف أشكال الأمراض والاضطرابات الَّتي قد تُصيب بجهازهم العصبيّ وهذا لأسباب متعدّدة لن تأخذ فحوى حديثنا الآن. كما وأنّ للغذاء والعادات اليوميّة الَّتي يقوم بها أولادنا أيضًا تأثير كبير على صحّتهم النّفسيّة، إذ كما يُقالُ " إنَّ العقلَ السّليمَ، في الجسمِ السّليم ". إذًا على الأهل تحفيز أبنائهم على ممارسة الرّياضة وعادات اللّياقة البدنيّة منذ الصّغر بشكلٍ منتظم (وبالطّريقة الّتي يحبّونها، فبالقوّة والتّحدّي ما من أمرٍ يأخذ فائدته) وطريقة غذائهم السّليمة والكاملة.

هذا إذا ما أردنا التكلّم عن الخطوط العريضة والرّئيسة بما يتعلّق بالأسباب الّتي قد تؤدّي إلى تفاقم وتزايد الاضطرابات النّفسيّة والعصبيّة لدى الأولاد. أمَّا الآن، فحديثنا موجَّهٌ للأهل ومتابعي الأطفال بشكلٍ أدقّ. إنّ معظم الأحيان تغيّر في تصرّف إبنكم، أو سلوكه، أو نومه قد يكون مؤشّرًا واضحًا للبدء باضطراب نفسيّ – عصبيّ، إن لم نعالجه حالًأ قد يتأزّم. إليكم بعضًا من السّلوكيّات والأمور الَّتي قد تتبدَّل عند الولد وتكون مؤشّرًا واضحًا :

تراجع واضح في المستوى الدّراسي ؛

تجنّب الأصدقاء وأفراد العائلة وعدم رغبته في التّكلّم معهم كثيرًا ؛

تكرّر نوبات الغضب والغيظ الشّديد لديه ؛

أرق وتقلّب شديد أثناء النّوم (وقد يصل الحدّ في بعض الأحيان إلى عدم استطاعته للنّوم) ؛

تقلّب في المزاج متكرّر وشديد ؛

توقّفه (طوعًا أو كرهًا) عن العادات والأمور الَّتي كان يحبّ القيام بها ؛

ميله إلى عادات تعنيف كلاميّ أو جسديّ للآخرين وبشكلٍ خاص أصدقائه وذويه، وأمورٍ عدّة أخرى (قد اخترنا الأكثر تداولًا وملاحظةً من الأهل والمعلّمين).

ماذا يجب على الأهل أن يفعلوا إذا ما لاحظوا أيّ تغيّر عند أولادهم وكيف يستطيعون وقايتهم من الأمراض العصبيّة ؟

          يكمنُ دورُ الأهل اليوم في اكتشاف وتفعيل حركات وتصرّفات وسلوكيّات أبنائهم. ومن هنا إذا ما لاحظوا أو اكتشفوا أيّ تغيّر عند أولادهم أو ظهور لإحدى العوارض الَّتي ذكرناها سابقًا فعليهم تلبية الوضع الرّاهن بأكثر دقّة واستدراكٍ ممكنين. بادئ الأمر، باستطاعتهم أن يحدّثوا أبناءهم ومحاولة معرفة ما الأمور الَّتي تشغلهم وتعيق حركتهم. والأمر الأهمّ أن يتحاشى الأهل قدر المستطاع أسلوبيّ "التّحقيق" و"الهجوميّة". كما يمكنُ للأهل عرض ابنهم على طبيب العائلة أو طبيب أخصَّائي، فمن الممكن أن يكون سبب هذه التّغيّرات والتّقلّبات فيزيولوجيًّا لا نفسيًّا فقط.

          كما يستطيعُ المرءُ الوقاية من الأمراض والأوبئة وتضعيف عمل جهازه المناعيّ، هكذا يستطيعُ أيضًا وقاية نفسه من الاضطرابات والأمراض النّفسيّة والعصبيّة. وكما تقدّم القولُ سابقًا، من أهمّ ما يستطيع الأهل القيام به هو تأمين الغذاء والحركة الواجبين لأبنائهم. ومن النّصائح الّتي يمكن القيام بها : اعتياد الأحداث على النّوم بشكلٍ تامّ وصحيح (فعلى الولد والمراهق النّوم بين السّبع والتّسع ساعات يوميًّا لصحّة جسده وعقله)، المواظبة على القيام بالرّياضة البدنيّة، إيجاد أنشطة للتّرويح عن نفسه وعصبيّته، وأمورٍ عدّة أخرى.

          إذًا، بعد كلّ ما تقدّم من الحديث، نكرّرُ ونعيد أنّ الوعي على مشاكل أبنائنا يكمنُ في غايةِ الأهميّة لوقايتهم من أيّة اضطرابات أو أمراض نفسيّة وعصبيّة قد تلحق بهم في المستقبل أو حتّى في الآونة الحاليّة (ونحن وإيّاهم لا نكون على معرفةٍ). صحّة أولادنا الجسديّة – الغذائيّة والبدنيّة – هي من أهمّ الأوجه الَّتي تحافظ على سلامتهم (وسلامتنا) العقليّة أيضًا.

ليمي مدوَّر